فصل: سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

وكانت قريش من بعد بدر قد تخوفوا من اعتراض المسلمين عيرهم في طريق الشام وصاروا يسلكون طريق العراق وخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية واستجاروا بفرات بن حيان من بكر بن وائل فخرج بهم في الشتاء وسلك بهم على طريق العراق وانتهى خبر العير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من المال وآنية الفضة فبعث زيد بن حارثة في سرية فاعترضهم وظفر بالعير وأتى بفرات بن حيان العجلي أسيرا فتعوذ بالإسلام وأسلم وكان خمس هذه الغنيمة عشرين ألفا.

.قتل ابن أبي الحقيق:

كان سلام بن أبي الحقيق هذا من يهود خيبر وكنيته أبو رافع وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحزب عليهم الأحزاب مثلا أو قريبا من كعب بن الأشرف وكان الأوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحلين في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذب عنه والنيل من أعدائه لا يفعل أحد القبيلتين شيئا من ذلك إلا فعل الآخرون مثله وكان الأوس قد قتلوا كعب بن الأشرف كما ذكرناه فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل ابن أبي الحقيق نظير ابن الأشرف في الكفر والعداوة فأذن لهم فخرج إليهم من الخزرج ثم من بني سلمة ثمانية نفر منهم: عبد الله بن عقيل ومسعر بن سنان وأبو قتادة والحرث بن ربعي الخزاعي من حلفائهم في آخرين وأمر عليهم عبد الله بن عقيل ونهاهم أن يقتلا وليدا أو امرأة وخرجوا في منتصف جمادى الآخرى من سنة ثلاث فقدموا خيبر وأتوا دار ابن أبي الحقيق في علية له بعد أن انصرف عنه سمره ونام وقد أغلقوا الأبواب من حيث أفضوا كلها عليهم ونادوه ليعرفوا مكانه بصوته ثم تعاوروه بسيوفهم حتى قتلوه وخرجوا من القصر وأقاموا ظاهره حتى قام الناعي على سور القصر فاستيقنوا موته وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر وكان أحدهم قد سقط من درج العلية فأصابه كسر في ساقه فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرأ.

.غزوة أحد:

وكانت قريش بعد واقعة بدر قد توامروا وطلبوا من أصحاب العير أن يعينوهم بالمال ليتجهزوا به لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعانوهم وخرجت قريش بأحابيشها وحلفائها وذلك في شوال من سنة ثلاث واحتملوا الظعن التماسا للحفيظة وأن لا يفروا وأقبلوا حتى نزلوا ذا الحليفة قرب أحد ببطن مقابل المدينة على شفير واد هنالك وذلك في رابع شوال وكانوا في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وقائدهم أبو سفيان ومعهم خمس عشرة امرأة بالدفوف يبكين قتلى بدر وأشار صلى الله عليه وسلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا وإن جاءوا قاتلوهم على أفواه الأزقة وأقر ذلك على رأي عبد الله بن أبي بن سلول وألح قوم من فضلاء المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة فلبس لامته وخرج وقدم أولئك الذين ألحو عليه وقالوا: يا رسول الله إن شئت فاقعد فقال: ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل وخرج في ألف من أصحابه واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين بالمدينة فلما سار بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي في ثلث الناس مغاضبا لمخالفة رأيه في المقامة وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حرة بني حارثة ومر بين الحوائط وأبو خثيمة من بني حارثة يدل به حتى نزل الشعب من أحد مستندا إلى الجبل وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين وتهيأ للقتال في سبعمائة فيهم خمسون فارسا وخمسون راميا وأمر على الرماة عبد الله بن جبير من بني عمرو بن عوف والأوس أخو خوات ورتبهم خلف الجيش ينضحون بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من خلفهم ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير من بني عبد الدار وأجاز يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج من بني حارثة في الرماة وسنهما خمسة عشر عاما ورد أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومن بني ملك بن النجار زيد بن ثابت وعمرو بن حرام ومن بني حارثة البراء بن عازب وأسيد بن ظهير ورد عرابة بن أوس وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدري سن جميعهم يومئذ أربعة عشر عاما وجعلت قريش على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل وأعطى عليه السلام سيفه بحقه إلى أبي دجانة سماك بن خرشة من بني ساعدة وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب وكان مع قريش ذلك اليوم والد حنظلة غسيل الملائة أبو عامر عبد عمرو بن صيفي مالك ابن النعمان في طليعة وكان في الجاهلية قد ترهب وتنسك فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء وفر إلى مكة في رجال من الأوس وشهد أحد مع الكفار وكان يعد قريش في انحراف الأوس إليه لما أنه سيدهم فلم يصدق ظنه ولما ناداهم وعرفوه قالوا: لا أنعم الله لك علينا يا فاسق فقاتل المسلمين قتالا شديدا.
وأبلى يومئذ حمزة وطلحة وشيبة وأبو دجانة والنضر بن أنس بلاء شديدا وأصيب جماعة من الأنصار مقبلين غير مدبرين واشتد القتال وانهزم قريش أولا فخلت الرماة عن مراكزهم وكر المشركون كرة وقد فقدوا متابعة الرماة فانكشف المسلمون واستشهد منهم من أكرمه الله ووصل العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل مصعب بن عمير صاحب اللواء دونه حتى قتل وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة في رأسه يقال إن الذي تولى ذلك عتبة بن أبي وقاص وعمرو بن قميئة الليثي وشد حنظلة الغسيل على أبي سفيان ليقتله فاعترضه شداد بن الأسود الليثي من شعوب فقتله وكان جنبا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة غسلته.
وأكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط من بعض حفر هناك فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام ومص الدم من جرحه مالك بن سنان الخدري والد أبي سعيد ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح فندرت ثنيتاه فصار اهتم ولحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكر دونه نفر من المسلمين فقتلوا كلهم وكان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن ثم قاتل طلحة حتى أجهض المشركون وأبو دجانة يلي النبي صلى الله عليه وسلم بظهره وتقع فيه النبل فلا يتحرك وأصيبت عين قتادة ابن النعمان من بني ظفر فرجع وهي على وجنته فردها عليه السلام بيده فصحت وكانت أحسن عينيه.
وانتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة وقد دهشوا وقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس وقاتل حتى قتل ووجد به سبعون ضربة وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها وقتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم قتله وحشي مولى جبير بن مطعم بن عدي وكان قد جاعله على ذلك بعتقه فرآه يبارز سباع بن عبد العزى فرماه بحربته من حيث لا يشعر فقتله ونادى الشيطان ألا أن محمدا قد قتل لأن عمرو بن قميئة كان قد قتل مصعب بن عمير يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم وضربته أم عمارة نسيبة بنت كعب بن أبي مازن ضربات فتوفي منها بدرعيه وخشي المسلمون لما أصابه ووهنوا لصريخ الشيطان ثم إن كعب بن مالك الشاعر من بني سلمة عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى بأعلى صوته يبشر الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: أنصت فاجتمع عليه المسلمون ونهضوا معه نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير والحرث بن الصمة الأنصاري وغيرهم وأدركه أبي بن خلف في الشعب فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحرث بن الصمة وطعنه بها في عنقه فكر أبي منهزما وقال له المشركون ما بك من بأس فقال: والله لو بصق علي لقتلني وكان صلى الله عليه وسلم قد توعده بالقتل فمات عدو الله بسرف مرجعهم إلى مكة ثم جاء علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء فغسل وجهه ونهض فاستوى على صخرة من الجبل وحانت الصلاة فصلى بهم قعودا وغفر الله للمنهزمين من المسلمين ونزل: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} الآية وكان منهم عثمان بن عفان وعثمان بن أبي عقبة الأنصاري.
واستشهد في ذلك اليوم حمزة كما ذكرناه وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير في خمسة وستين معظمهم من الأنصار وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا بدمائهم وثيابهم في مضاجعهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم وقتل من المشركين اثنان وعشرون منهم الوليد بن العاص بن هشام وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن جمح وكان أسر يوم بدر فمن عليه وأطلقه بلا فداء على أن لا يعين عليه فنقض العهد وأسر يوم أحد وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا وأبي بن خلف قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وصعد أبو سفيان الجبل حتى أطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونادى بأعلى صوته: الحرب: سجال يوم أحد بيوم بدر اعل هبل.
وانصرف وهو يقول موعدكم العام القابل فقال عليه السلام قولوا له هو بيننا وبينكم.
ثم سار المشركون إلى مكة ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وكانت هند وصواحبها قد جد عنه وبقرن عن كبده فلاكتها ولم تسغها ويقال إنه لما رأى ذلك في حمزة قال لئن أظفرني الله بقريش لأمثلن بثلاثين منهم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ويقال إنه قال لعلي لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا.